بسم الله الرحمن الرحيم البر بالوالدين ومظاهر عقوق الأبناء غني عن البيان أن الوالدين يأتيان في المقدمة على من سواهم من الأحياء كالزوجة والأولاد و الأشقاء وغيرهم فهما سبب وجود الإنسان لذا يجب تفضيلهم على الجميع وتقديم الإحسان إليهما وخصهما بالعطف والرعاية لما لهما من فضل عظيم على الانسان وقد سأل ابن مسعود رسول الله قائلاً : أي العمل أحب الى الله ? فأجاب الرسول : / الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال : بر الوالدين قلت ثم اي : قال : الجهاد في سبيل الله /. لذلك فإن بر الوالدين من أجل الأعمال وأفضلها . كما أن الرسول خص الأم بمزيد من الرعاية والتكريم فقد روي ان رجلاً جاء رسول الله فقال : / يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ? قال أمك رددها ثلاثاً وبعدها قال ثم أبوك / ورسول الله بيّن مكانة الوالد ووجوب مراعاته حيث ربط رضاه وسخطه برضاء الله وسخطه فقال : / رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد /. وروري ان رجلاً اتى الى الرسول فقال : يارسول الله : ان لي مالاً وولداً وإن أبي يجتاح مالي ويضيعه فقال الرسول : / انت ومالك ملك أبيك / ان اولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب اولادكم / وإذ جعل رسول الله البر بالوالدين من أفضل القربات الى الله فقد جعل بالمقابل عقوقهما من كبائر الإثم فقال : اكبر الكبائر هي الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس / ومن مظاهر العقوق ان يعمد الأبناء الى الاعتداء البدني على الوالدين او توجيه الشتائم اليهم او تحميلهما فوق ما يطيقان في مختلف نواحي الحياة كمطالبتهما بالمال باستمرار مع علم الأبناء بعجزهما عن إجابة مطلبهم واللجوء في سبيل ذلك الى وسائل التهديد والوعيد . ومن مظاهر العقوق ايضاً : عدم رعاية الابن الغني لأبويه الفقيرين المحتاجين للرعاية والعناية وعدم مساعدته لهما مادياً بالرغم من يسره . ومن المشاهد المؤلمة ان كثيراً من الأبناء لا يتقون ربهم في معاملة آبائهم فيسيئون إليهم بالفعل ويغلظون معهم بالقول ولاسيما حينما يتقدم الآباء بالعمر ويصبحون بحاجة الى الرحمة والعطف مع ان من اول واجبات الانسان ان لا يجحد فضل أبويه ولا يتنكر لجميلهما ومن هنا جعل القرآن الإحسان الى الوالدين قضية إنسانية عامة فقال سبحانه / ووصينا الانسان بوالديه احسانا / . فلم يقل الله سبحانه ووصينا المسلم او المؤمن لأن حسن الأدب مع الوالدين والإحسان إليهما أمر انساني عام . ويكاد القرآن لا يذكر الاحسان الى الوالدين إلا بجوار ذكر الدعوة الى عبادة الله وشكره فقال سبحانه : / لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا / تأمل كيف خص الله الاحسان الى الوالدين حال كبرهما وطعنهما في السن تلك الفترة التي هي مرحلة ضيق الولد بهما واستثقاله لظلهما وتضايقه منهما والوالدان حينئذ أشد احتياجاً إليه بعد جهادهما الطويل في تربيته وتنشئته النشأة الطيبة ولذلك امر الله سبحانه بألا يضايقهما ولو بأقل ما يشير الى التضجر وهي كلمة أف ولو كان هناك أخف من هذه الكلمة لذكرها الله كما أمره بألا ينهرهما ولا يزجرهما ولا يغضبهما بأي قول يصدر منه وأمره ان يخاطبهما خطابا رقيقا لطيفاً كريما وان يبالغ في الأدب معهما والخضوع لهما حتى يبدو امامهما ذليلا رحيماً . هذه هي نظرة الاسلام الى الوالدين انها نظرة عطف وبر ورحمة فالإحسان اليهما فيه اعظم الأجر عند الله كما أن عقوقهما مجلبة لسخط الله وعذابه في الآخرة . وكم أتألم حينما يطلب مني أبوان فقيران اقامة دعوى قضائية على ابنهما بطلب نفقة او تأمين مسكن يأويهما ويسترهما في آخر عمرهما بسبب رفض الأبناء ان يعيش معهم والدهم في بيت واحد او بالأحرى رفض زوجة الابن وضعف شخصية الزوج الابن . وحتى إن المتقاعدين اصحاب الرواتب فإن الكثير منهم لا يتجاوز راتبه الشهري الالفي ليرة سورية او ثلاثة خاصة العمال والمستخدمين ومنهم لاولدله مما يجعل الحكومة هي الأب المسؤول عن الفقراء ويقع على عاتقها تأمين مستلزمات ابنائها وزيادة رواتبهم وتأمين الرعاية الصحية المجانية وان لا تتركهم عرضة للمرض والحرمان والتسول.